هل نريد إنقاذ كوكب الأرض من مخاطر الاحتباس الحراري؟
إذا كانت الإجابة بنعم فعلينا المسارعة إلى غرس الأشجار، بل الكثير منها في الحقيقة، أو على الأقل التوقف عن قطع الموجود منها… هذه هي الخلاصة التي خرجت بها دراسة جديدة نشرتها دورية "ساينس" يوم الخميس الماضي ومفادها أن غابات العالم تلعب دوراً حاسماً في الحد من التداعيات المدمرة للتغيرات المناخية وذلك من خلال تبديد الغازات المسببة للاحتباس الحراري مثل ثاني أكسيد الكربون وتخزينه في جذوع الأشجار، وهو ما يساعد بدوره في تنظيم عملية تركز ثاني أكسيد الكربون في الأجواء ومنع ارتفاع درجة حرارة كوكب الأرض.
ويُذكر أن الغابات تغطي ربع المساحات البرية على كوكب الأرض، لكن وفيما كان الجميع بمن فيهم أطفال المدارس يعرفون جيداً الدور الذي تعلبه الأشجار في امتصاص ثاني أكسيد الكربون، فإن لا أحد كان يدرك مدى أهمية تلك العملية، أو الحجم الذي تساهم فيه الأشجار في إبقاء الكوكب نظيفاً، لاسيما وأنه إلى جانب الغابات هناك المحيطات وباقي الأنظمة البيئية الأخرى التي تساهم في امتصاص ثاني أكسيد الكربون.
فما الذي يميز الغابات إذن عن سواها؟ ولماذا تُخص بالاهتمام أكثر من غيرها؟ الحقيقة أن الغابات تتنوع حسب المناطق، فهي إما استوائية تحاذي خط الاستواء سواء في أفريقيا أو في الأمازون أو الغابات الآسيوية، أو الغابات الشمالية في أوروبا وروسيا وكندا، أو غابات المناطق المعتدلة، كما أنها تعاني من ظروف مختلفة بين القطع والحرق وإعادة الغرس.
وعلى مدى السنوات الماضية، ركز العلماء اهتمامهم على دور الغابات في تبديد الغازات السامة التي تنبعث من المصانع والطريقة الإيجابية التي تساهم بها في الحد من التغيرات المناخية.
وقد تبين بعد العديد من التجارب أن الغابات من بين جميع الأنظمة البيئية تلعب الدور الأكبر في امتصاص ثاني أكسيد الكربون وتنظيف الأجواء من الغازات المسببة للاحتباس الحراري، فهي تعمل كإسفنجة تمتص ما يقارب 8.8 مليار طن من ثاني أكسيد الكربون كل سنة، وذلك حسب الدراسة التي قامت بها مصلحة الغابات الأميركية، أي أن الغابات امتصت ثلث انبعاثات الوقود الأحفوري في الفترة بين 1997 و2007 وعلى مدى نفس الفترة تم تخزين 4.2 مليار طن من الكربون الصلب في أنسجة الخشب كل سنة، وهو الأمر الذي أثار دهشة العلماء وأعلى من شأن الغابات.
وفي هذا السياق يقول "يود بان"، العالم بمصلحة الغابات الأميركية والمشرف على الدراسة "يثبت البحث أن الغابات لوحدها تشكل المستودع الرئيسي لاستيعاب ثاني أكسيد الكربون الذي يطلقه الإنسان في الأجواء، وأن باقي مصادر الامتصاص لا يمكن مقارنتها بالغابات ولا تعتبر مستودعاً أساسياً".
وبالطبع سيكون لهذه الدراسة تأثير كبير على سياسات الدول في حماية الغابات ومنع تدهورها، وهنا يتم التركيز بصفة خاصة على الغابات الاستوائية التي كشفت الدراسة أن الأجزاء التي لم تتعرض للقطع منها تستوعب كميات هائلة من ثاني أكسيد الكربون أكثر من الغابات الشمالية مجتمعة، بل الأكثر من ذلك أظهر العلماء قدرة الغابات الاستوائية التي تم إعادة غرسها على امتصاص أكسيد الكربون، وهو ما يعوض الغاز المنبعث من عملية حرق الغابات المستمرة في المناطق الاستوائية، لكن بسبب الأخطار التي تتعرض لها الغابات الاستوائية على وجه الخصوص من قطع وحرق وغيرها فإن الفائدة التي يجنيها كوكب الأرض من قدرتها على امتصاص ثاني أكسيد الكربون تُبدد بفعل تلك الأخطار ليبقى الأمل في الغابات الشمالية التي تستوعب ما لا تستطيعه الغابات الأخرى.
وفي هذا السياق، يمكن الإشارة إلى الغابات في سيبيريا التي أعيد تأهيلها بعد تعرضها لعميات قطع واسعة واستغلال كثيف في المرحلة السوفييتية، ورغم المشاكل التي تعرفها الغابات في كندا بسبب الحشرات التي غزتها، تبقى نظيرتها في أوروبا والولايات المتحدة أفضل حالًا، وهو ما يساعد على إحداث التوازن العالمي بين الغابات المعرضة للخطر في المناطق الاستوائية، وتلك التي يعاد تأهيلها في المناطق الشمالية، بحيث تمكنت الغابات في المناطق المعتدلة والشمالية من المساهمة في امتصاص ثلث ما تمتصه الغابات في باقي المناطق بمقدار 800 مليون طن من ثاني أكسيد الكربون سنوياً خلال المدة التي شملتها الدراسة.
ففي الولايات المتحدة على سبيل المثال كان لعملية التأهيل التي شهدتها الغابات دور مهم في رفع قدرتها على امتصاص الغاز السام بحوالي الثلث مقارنة بالسابق، والأمر نفسه ينطبق على الغابات في الصين بعدما انتهجت السلطات سياسة تكثيف غرس الأشجار وحماية الغابات ليزيد ذلك من قدرتها على تنظيف الأجواء والحد من تداعيات الاحتباس الحراري.
لكن العلماء حذروا في الدراسة من سذاجة الاعتماد الكلي على الغابات لتنظيف كوكب الأرض من ثاني أكسيد الكربون لأن هذه العملية قابلة للتعثر في أي وقت بسبب أنواع الحشرات التي تهاجم الأشجار، أو بسبب مواسم الجفاف والحرائق التي تلتهم سنوياً مساحات شاسعة منها.
وعن الفائدة من هذه الدراسة، يقول "ريتشارد باردلي"، أحد العلماء الذين أشرفوا على إنجازها: "في السابق، كنا نعرف أن عملية امتصاص ثاني أكسيد الكربون تتم في الأرض، لكننا اليوم نعرف على وجه الدقة دور الغابات بالتحديد وأهميتها في إنقاذ كوكب الأرض".
